الخميس، يناير 10، 2013

مصر المجتمع !




لن انسى ابدا ذلك الحوار الذي دار بيني وبين صديق لي حين قلت له :- اعترض تماما على ما قاله مصطفى كامل " لو لم اكن مصريا لوددت ان اكون مصريا " فالحقيقة انه لو لم يكن مصريا لكان تمنى ان يبقى على جنسيته التي ولد بها فهو نوع من ما يسمونه الوطنية.
حقا هذا ما أراه ، فلابد دائما ان نفهم معنى الوطن قبل ان ندخل في تفصيلات اعمق ولا معنى لها فما هو الوطن ؟ هل هو تلك الارض التي ولدت فيها ؟ هل هو الاهل والاحباب والاصدقاء ؟ ام هو الذكريات والذاكرة – كما تسميها احلام مستغانمي - ؟ ام انه كل هذا معا ؟!
الحقيقة انه لا يوجد شخص عشق وطنه قدر عشق النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمكة ومع هذا لم يجد غضاضة في ان يهاجر منها دون ان يعلم هل سيعود يوما ام ما ؟ الهجرة اتت لان الفكرة يصعب تطبيقها مع هذا الشعب في ظل ثقافتهم الرافضة للتغيير .
كان الله قادرا على ان يولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدنية منذ دون ان يضطر للهجرة لكنه اراد ذلك حتى تكون حقيقة خالدة ، الوطن فكرة والفكرة لا تموت .
لن انكر انني كنت من اشد المتمسكين بقضية الوطن الارض ، وانني رافض تمام الرفض ان احصل على جنسية دولة أخرى وانني مصري حتى النخاع .
ولكن الحقيقة ان بعد الثورة والانفتاح التواصلي بين الشعب المصري خلق نوعا من انواع تعميم المشكلة فالآن استطيع القول ان المشكلة الاجتماعية التي عانيت منها منذ الطفولة هي مشكلة شعب لا مشكلة فردية .
فالطفل المصري يولد محملا بالعديد من الاسئلة منها : -
كيف وُلدت ؟ لماذا هذا الرجل ابي ؟ من خلق الوجود ؟ من خلق الله ؟ والكثير من الاسئلة المتشابهة والاجابة اما على اول سؤالين في الغالب تكون اجابة ساذجة يستخفوا فيها بعقل الطفل ، اما الاجابة على الاسئلة المتعلقة بالخالق إما ان تواجه بالعنف والنهر الشديد وإما ان تواجه بمقولة " حب ربنا " ويظل الطفل دائم السؤال عن سبب حبه لله الذي لم يراه ولم يشعر بفضله عليه فإما ان يتحول هذا الطفل الى ملحد – حتى وان اخفى الحاده – او فقط محب لله ومحب للوطن ومحب لاهله دون ان يدري السبب في حبهم .
هنا تبدأ المشكلة ، التعامل مع كل شيء بمنطق " الحب " والحب وحده بلا سبب ، وكأنه يجب عليك لزاما ان تحب كل هذا دون ان تفكر ، فقط لابد ان تحب دينك وتحب افكار اهلك وتحب قوانين مجتمعك وتسير خلفا للقطيع .
فالطفل الذي يولد في مجتمع مؤيد لفكر التيارات الاسلامية (إخوان – سلفيين- صوفيين) تجده بالضرورة يلتزم بهذه الافكار فيسمع عنها قصصا براقه ومفاهيم عظيمة كما انه يسمع عن الافكار الاخرى انها سيئة مخطئه ضاله منحرفة ، وهكذا الفريق الآخر حينما يولد طفل في مجتمع علماني – رأسمالي – اشتراكي تجده مؤمنا بأن هذه النماذج هي نماذج ناجحة وأن التيارات الاسلامية تيارات تتاجر بالدين وتقلل من قيمة الدين بإشراكه في السياسة ويسمع كل هذه الاراء من اهله أي من اعداء الفكر .
قليلون هم من فكروا في قراءة الافكار الاخرى من مصادرها فيصبح الشاب الصغير الذي ينتمي والده للاخوان المسلمون محظور عليه قراءة كتب عن العلمانية والشيوعية وغيرها ويخظر على من ينتمي اهله لتيار علماني ان يقرأ كتب الامام البنا او ابن عثيمين !!
حتى في الاديان ، فالمسلم يحظر عليه ان يقرأ في الانجيل او ان يتحدث مع نصراني عن دينه وهكذا النصراني لا يجب ان يقرأ القرآن بل يجب ان يؤمن تمام الايمان بأن دينه الاصوب ولا مجال لأن يفهم حتى السبب خلف ذلك الايمان الصارم والالتزام الكامل بدينه ، ولهذا تجد ان نسبة كبيرة من الطرفين فقط تتعصب لدينها ولو قلت لهم تستطيع ان تغير دينك او تغير فكرك يصبح هذا امرا كارثيا .
ولهذا تجد ظاهرة التدين القشري للأغلبية من الاغلبية – أغلبية المسلمين – تنتشر بشدة ، حجاب غير شرعي و تعصب للدين في غير محله وفي غير حقيقته.
فكم من مسلم قرأ القرآن فاهما لمعانيه قادرا على توصيف هذه المعاني بشكلها الحقيقي ؟! قليل هم من قرأوا وتفكروا في دينهم العظيم وقليل هم من توصلوا الى ان الاسلام دين ودولة ولا تستقيم شئون الحياة الا به ؟ قليل هم من قالوا " لا اله الا الله ، محمد رسول الله " عن فهم كامل لمقتضيات هذه الحقيقة لذلك ليس من المدهش ان ترى شابا فرغ من الصلاة ثم خرج ليتحرش بأنثى وكأنه فهم نصف الدين او جزء مفضل لديه .
المشكلة في المجتمع المصري في تعصبه لدينه وتعصبه لفكره وتعصبه لوطنه هي فقط تغليب العاطفة على العقل دون التأمل في ما يمتلكون .
الاسلام والقرآن دعا للتفكير والتأمل ، وكثيرا ما نرى " أولي الالباب ، أفلا يعقلون ، أفلا يتدبرون" وغيرها على نفس السياق .
هناك احصائية تقول ان 90% من البشر يقفون في جانب مؤمنون بهذا الجانب متعصبون له رافضون تغييره وما يسمونه بالانحياز، و 8% من البشر لديهم المرونة في الاستماع للرأي الآخر والتعليق عليه ومناقشته اوما يعرف باسم التبادلية ،أما النسبة الضئيلة وهي 2% فهؤلاء الذين يقفون بين الطرفين مع الاستماع لكليهما والحكم بحيادية والوصول الى مرحلة الطرح والتقمس أي طرح الانتماءات السابقة والتعامل مع الرأي وليس مع مطلق الرأي ، و تقمس شخصية وعقل وعين الآخر[1] .
وأظن اننا لو طبقنا هذه النظرية على المجتمع المصري لربما تنحرف بنا النسبة الى 97% منحازون و 2% متبادلون و 1% محايدون.
لو ان المصرييون قرورا الخروج من الدائرة وتحليل ادق التفصيلات والوصول الى نتيجة لحلت كل المشكلات ولكن المشكلة كما وصفها الراحل جلال عامر : تحاورني احاورك ، تخالفني اقتلك !


[1]  ذكرها الدكتور نبيل فاروق في كلمته في التي القاها في TEDx ShibinelKom بتاريخ 16-12-2012

هناك 3 تعليقات:

well يقول...

موضوع ممتاز
التتبع اصبحت صفة واضحة فى الشعب المصرى
إما تابع وإما متبوع
قليل لما تلاقى حد بيحاول يوصل للحقية على حقيقتها ويستخدم العقل اللى ربنا ادهوله ويحلل الامور كما هى دون ان ينسبها الى شئ فيه مصلحة
لكل شئ سبب لكن احنا ما بندورش على السبب .. لا نتبع السبب
( " لو لم اكن مصريا لوددت ان اكون مصريا " ) .. حب مصطفى كامل لمصر يخليه يقول اكتر من كدة .. فى كل واد يهيمون
((أحراراً في أوطاننا، كرماءً مع ضيوفنا)).



تحياتى ..

النسر المهاجر يقول...

أخى مصعب قد أشرت للتعصب فى مقالك وأنا أجد أن هذا التعصب هو بداية النهايه لكل حضاره فتعصب للعرق أدى لسقوط النازيه وهذا كمثال فقط
ولكن الشعب المصرى كنسيج له طبيعه خاصة عن اى شعب يعنى بتلاقى كل حاجه موجوده بكثره سواء فى الخير او الشر فنعتقد أنه الأشمل فى الراى العام
والمشكله الاكبر من التعصب فى مصر هى الإسقاط كل شخص بيعتقد إنه برئ ومحدش عارف مين المذنب مع ان كل شخص مذنب.


أخيرا أنا طبعا اتشرفت بعودتى لمتابعة هذه المدونة الرائعه وأتمنى لك دوام التقدم

محمد صلاح البوهى يقول...

اوافقك تماما ... ولكن ليس كل شىء يكن فهمه بالعقل فالعقل قاصر غن تصور حقائق معينة ولكن لامانع عندى لتدبر كل شىء حتى الوصول لحقيقته ....
منهجيتك رائعة .. ولكن احذر