السبت، يناير 05، 2019

أنا والمجتمع - الجحيم هو الآخرون!


"أنت لا تنتمي لطابق المرعبين يا وزاووسكي".

إن كنت من محبي أفلام الرسوم المتحركة فربما شاهدت الجزء الثاني من فيلم Monsters Inc. والمعروف بشركة المرعبين المحدودة والذي كشف عن محاولات مايك وزاووسكي، مارد واشوشني، أن يصبح من الوحوش ولكنّه في الأخر فشل لأنه لا ينتمي لهذه الفصيلة!

في مسرحيته الشهيرة "لا مخرج" تخيل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الجحيم ولكن بشكل مختلف تمامًا، فالرجل كان يؤمن بأنّ الجحيم ليس نارًا بالمعنى الحرفي وإنما قد يكون ببساطة تواجد أفراد في غرفة واحدة وجميعهم يرغبون شيئًا من الآخر لن يتمكنوا أبدًا من تحقيقه، وخلص في نهاية المسرحية لمقولة "الجحيم هو الآخرون"!

أفكار سارتر ليست بعيدة عن مؤسس فكرة علم الاجتماع، ابن خلدون، الذي تحدث في "المقدمة" عن ضرورة الاجتماع البشري وأكد أنّ البشر في طبيعتهم لا يستطيعون العيش بمفردهم بل هناك حاجة دائمة للآخرين بصرف النظر عن نوعية العلاقة ولكن لابد من أن يوجد هذا التفاعل البشري.

منذ أن وعيت الحياة حولي وأنا طفل صغير ولم أشعر أبدًا بالانتماء لهذا المكان أو لهؤلاء البشر، هناك سبب ما جعل إحساس الغربة يطاردني، وكلما كنت اقترب من البشر أكثر كنت أشعر بالوحدة أكبر، وتيقنت أن حقًا الجحيم هو الآخرون.

من قرية صغيرة في محافظة المنوفية انتقلت إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث مجتمع مختلف بأفراد لا يمتلكون ذات الثقافة أو الفلسفة وهنا شعرت وكأن القدر يمنحني فرصة أخرى لكي أنتمي، هذه أرض جديدة وقد تكون صفحة جديدة، ولكنني كنت مخطئًا. لقد انتقلت من النقيض إلى النقيض وأصبحت وحيدًا غريبًا في فلسفة تعلمت منها الكثير ولكنني كنت أمقت أصحابها أكثر من أي شخص آخر.

ظننت أنها "صدمة حضارية" لكنني صراحة لم أرى أنّهم أفضل مني أو أرقى وأنضج بل كلما ازدادت أموالهم كلما قلت ثقافتهم ونظرتهم للمجتمع صارت من أبراج عاجية، صحيح أود أن أعرف من قال إن الفيلسوف يرى المجتمع من برج عاجي لأنّه في الحقيقي الأغنياء من يفعلون ذلك!

بدأت مسيرتي المهنية، غريب في مكان أغرب، فلسفة التطبيل والمجاملة والمحاباة واعتبار المهنية وفصل العلاقات الشخصية عن العمل أمورًا من ضرب الخيال، وجدت بشر آخرين يمثلون الجحيم بعينه، لست منهم وليسوا مني لا أفهمهم ولن يفهمونني وحتى مهما حاولت أن أكون نفسي فلن يجعلني ذلك مقربًا ولن يجعلهم أقل وصفًا من الجحيم.

صراحّة لم أؤمن بأن الأخرين قد يكونوا الجنة أيضًا سوى بعد أن تزوجت وأنجبت طفلًا. الأطفال هم أكثر أهل الأرض براءة ونقاءً ولكن حتى بعد ذلك أصبح الجحيم مستعرًا في مواجهة مروج خضراء صغيرة أخشى عليها كل يوم.

كلما كنت غريبًا عن المجتمع وبعيدًا عن أفكارهم وقيمهم ومبادئهم وقناعاتهم وحتى مختلفًا مع نكاتهم وسخريتهم ومواقفهم السياسية والدينية كلما شعرت بأنك في الجحيم، نيران مستعرة لا يطفئها سوى بئر صغير ممن يمثلون ملاذك الآمن وملجأك في وقت الغربة!
 خلال ربع قرن عشتها لم أشعر سوى أنني مارد وشوشني يقف على أعتاب جامعة الرعب منتظرًا أن يكون منتميًا والجميع ينظر إليه ويقول "أنت لا تنتمي لطابق المرعبين يا وزاووسكي"!!!