الاثنين، يناير 21، 2013

مصر المجتمع : العنصرية




عندما تحدث علماء النفس عن الانطوائية والانبساطية ووزعوا صفات الانسان بين انطوائي مثالي وانبساطي (اجتماعي) مثالي ، اوضحوا انه في واقع الحياة لا يوجد مثل هذا النوع من المثالية ولكن الانطوائية والانبساطية تتوزع على البشر بنسب مئوية ، فمثلا الشخص الانطوائي يمتلك سبعين بالمائة من صفات الانطوائية و الباقي انبساطية وهكذا .
ولو اننا تأملنا القرآن العظيم لوجدنا ان الله وسع الدائرة فقال : " ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها " لذلك فالله وزع الفجور والتقوى على البشر ولكنه اضاف " قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها " فأصبح الانسان في مقدوره ان يزيد من التقوى او يقلل منه .
لو أخذنا من المقدمة الى عنوان الموضوع " العنصرية " سنجد ان كل بشري على الارض يمتلك نوعا من انواع العنصرية قد تظهر في مواقف عابر أو قد تصبح نموذجا حيا .
بعد ثورة يناير وفي اطار التحول الاجتماعي ، ظهرت العنصرية بقوة وبشده في أحداث متتابعة بدءا باستفتاء مارس وصولا الى لحظة كتابة هذا المقال ومرورا بأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وغيره
لو تأملنا دقائق الاحداث منذ قيام الثورة ستجد ان التربة الاجتماعية تألقت فيها نبته العنصرية والانحياز بشكل مبالغ فيها فأصبح الكل يلعب في صف فريق ما ، فإما مع الثورة او فلول ، وإما مع الثورة أو مع العسكر – فلول أيضا – ، إما ان تقول لا للدستور لتصبح مع الثورة إما ان تقول نعم للدستور وتصبح من الإخوان أو من – على حد تعبيرهم – الخرفان !
اصبحت الخلافات السياسية عداء والسبب وراء ذلك هو العنصرية ، فالطفل المصري وجد اباه قد يتشاجر مع الجار بسبب مشكلات بينه وبين ابن جاره ، وقد يكون الابن مخطئا الا ان الاب لا يسعه الا ان يهاجم الطرف الآخر دون ان يتساءل عن المخطيء أو ربما دون ان يعرف ماذا جرى ؟!
ايضا يتم زرع حب الدين بقوة في نفس الطفل ليس بمبدأ " لكم دينكم ولي دين " او بمبدأ " من يشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ولكن بميدأ الآخر مفسد ومصيره جهنم ، فمع اول شجار بين مسلم ونصراني تتحول القصة الى فتنة طائفية مشتعلة.
الطفل الذكر يتم معاملته في بعض العائلات على انه الرجل وحامل اسم العائلة وكل هذه المرادفات ؛ لذلك يشعر الطفل بأن من حقوقه ان يفرض رأيه وسيطرته على الأنثي بحكم ذكوريته وهو لم يخترها وبالتالي تتولد لديه العنصرية ضد المرأة بحكم انه السيد وهي الخادمة ، ومن هنا يتولد عند الفتاة عنصرية مقابلة لتواجه عنصرية الرجل ، ومن هنا ظهرت جمعيات حقوق المرأة وغيرها.
وفي بعض الاسر الأخرى تدلل الفتاة أكثر من الصبي فيتولد عنصرية واحساس بالأفضلية كونها أنثى على أخيها الذكر ، فيرتفع الاحساس بالغرور الذكوري (male ego) ويتحول الى عنصري ضد كل أنثى .
لو انتقلنا الى مباريات كرة القدم ، لم تخلو من العنصرية فالزملكاوي يرى الأهلي فريق يفوز ببركة الحكام وتزويرهم والأهلي فريق يحتكر النجوم ويشتريهم ، في حين ان الزمالك في عين الأهلاوي فريق ضعيف لا يصلح القول عليه بقطب الكرة المصرية مع النادي الأهلي .
بعد الثورة حينما اصبحت السياسة متاحة للجميع وكل انسان له الحق في ابداء رأية ، ظهرت القبلية والعصبية والعنصرية ، فكثيرا ما كنت اسمع من اصدقائي الليبراللين والاشتراكين والعلمانيين مقولة " الاخوان تجار الدين " وعلى الطرف الآخر " العلمانيين الكفرة " مع انك قد تكون إخواني دون ان تتاجر بالدين ، وقد تكون علماني دون ان تكون كافر.
السبب وراء كل هذا هو ذلك الستار الفكري والنفسي بين طرفي اي نزاع سواء سياسي او اجتماعي او رياضي او ديني ، فالغني لم يجرب التعامل مع الفقراء فاعتبرهم " فلاحين " والفقير لم يتعامل مع الغني فاعتبره فاسق مبذر ، المسلم لم يفهم حقيقة دينه ولم يقرأ عن الأديان الآخرى فعداه  وهكذا النصراني، الأهلاوي لم يفكر يوما في متابعة مبارة للزمالك بغية الاستمتاع بالمشاهدة ليحكم بالحق على أداء الفريق وهكذا فعل  الزملكاوي ، الاخواني لم يقرأ عن الأفكار المختلف واكتفى بما يسمعه هنا وهناك من مفاهيم خاطئة فهاجمهم وهكذا فعل العلماني .
اذكر موقفا حدث في الجامعة حين تساءل رئيس اتحاد طلاب الجامعة الامريكية الاستاذ نادر بكار عن ان الحكم بالاسلام والعودة للعصور الوسطى والمعروفة باسم  عصور الظلام كارثة على المجتمع ، ولو انه قرأ قليلا لاكتشف ان المسلمون كانوا في أزهى عصورهم ابان العصور الوسطى والأوربيون هم من كان الأمر بالنسبة اليهم عصور ظلام.
الكارثة في مصر ليست الاختلاف بل عدم قبول الاختلاف الناتج من الجهل بالآخر والناتج من التعامل العاطفي مع الأمور وليس حكم العقل والناتج من الناتج من العنصرية المصرية التي ترفض حتى التفكير
أمر آخر وهو فكرة المفهوم الخاطيء والمسبوق عن الأفراد والأماكن او النمطية (Stereotyping) فكل محافظة معروف عنها أمر ما مخجل ومسيء فهناك الأغبياء والكذابون والبخلاء وغيرهم ، مع ان فكرة التعميم فكرة غير مقبولة وغير حقيقية ، ومن هنا تتولد العنصرية من رحم الافكار الكاذبة
لو تخلص المصريون من عنصريتهم لتخلصوا من الازمة الكبرى التي تواجههم يوما وراء يوم في التعامل مع السياسة او حتى مع المجتمع.

الخميس، يناير 10، 2013

مصر المجتمع !




لن انسى ابدا ذلك الحوار الذي دار بيني وبين صديق لي حين قلت له :- اعترض تماما على ما قاله مصطفى كامل " لو لم اكن مصريا لوددت ان اكون مصريا " فالحقيقة انه لو لم يكن مصريا لكان تمنى ان يبقى على جنسيته التي ولد بها فهو نوع من ما يسمونه الوطنية.
حقا هذا ما أراه ، فلابد دائما ان نفهم معنى الوطن قبل ان ندخل في تفصيلات اعمق ولا معنى لها فما هو الوطن ؟ هل هو تلك الارض التي ولدت فيها ؟ هل هو الاهل والاحباب والاصدقاء ؟ ام هو الذكريات والذاكرة – كما تسميها احلام مستغانمي - ؟ ام انه كل هذا معا ؟!
الحقيقة انه لا يوجد شخص عشق وطنه قدر عشق النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمكة ومع هذا لم يجد غضاضة في ان يهاجر منها دون ان يعلم هل سيعود يوما ام ما ؟ الهجرة اتت لان الفكرة يصعب تطبيقها مع هذا الشعب في ظل ثقافتهم الرافضة للتغيير .
كان الله قادرا على ان يولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدنية منذ دون ان يضطر للهجرة لكنه اراد ذلك حتى تكون حقيقة خالدة ، الوطن فكرة والفكرة لا تموت .
لن انكر انني كنت من اشد المتمسكين بقضية الوطن الارض ، وانني رافض تمام الرفض ان احصل على جنسية دولة أخرى وانني مصري حتى النخاع .
ولكن الحقيقة ان بعد الثورة والانفتاح التواصلي بين الشعب المصري خلق نوعا من انواع تعميم المشكلة فالآن استطيع القول ان المشكلة الاجتماعية التي عانيت منها منذ الطفولة هي مشكلة شعب لا مشكلة فردية .
فالطفل المصري يولد محملا بالعديد من الاسئلة منها : -
كيف وُلدت ؟ لماذا هذا الرجل ابي ؟ من خلق الوجود ؟ من خلق الله ؟ والكثير من الاسئلة المتشابهة والاجابة اما على اول سؤالين في الغالب تكون اجابة ساذجة يستخفوا فيها بعقل الطفل ، اما الاجابة على الاسئلة المتعلقة بالخالق إما ان تواجه بالعنف والنهر الشديد وإما ان تواجه بمقولة " حب ربنا " ويظل الطفل دائم السؤال عن سبب حبه لله الذي لم يراه ولم يشعر بفضله عليه فإما ان يتحول هذا الطفل الى ملحد – حتى وان اخفى الحاده – او فقط محب لله ومحب للوطن ومحب لاهله دون ان يدري السبب في حبهم .
هنا تبدأ المشكلة ، التعامل مع كل شيء بمنطق " الحب " والحب وحده بلا سبب ، وكأنه يجب عليك لزاما ان تحب كل هذا دون ان تفكر ، فقط لابد ان تحب دينك وتحب افكار اهلك وتحب قوانين مجتمعك وتسير خلفا للقطيع .
فالطفل الذي يولد في مجتمع مؤيد لفكر التيارات الاسلامية (إخوان – سلفيين- صوفيين) تجده بالضرورة يلتزم بهذه الافكار فيسمع عنها قصصا براقه ومفاهيم عظيمة كما انه يسمع عن الافكار الاخرى انها سيئة مخطئه ضاله منحرفة ، وهكذا الفريق الآخر حينما يولد طفل في مجتمع علماني – رأسمالي – اشتراكي تجده مؤمنا بأن هذه النماذج هي نماذج ناجحة وأن التيارات الاسلامية تيارات تتاجر بالدين وتقلل من قيمة الدين بإشراكه في السياسة ويسمع كل هذه الاراء من اهله أي من اعداء الفكر .
قليلون هم من فكروا في قراءة الافكار الاخرى من مصادرها فيصبح الشاب الصغير الذي ينتمي والده للاخوان المسلمون محظور عليه قراءة كتب عن العلمانية والشيوعية وغيرها ويخظر على من ينتمي اهله لتيار علماني ان يقرأ كتب الامام البنا او ابن عثيمين !!
حتى في الاديان ، فالمسلم يحظر عليه ان يقرأ في الانجيل او ان يتحدث مع نصراني عن دينه وهكذا النصراني لا يجب ان يقرأ القرآن بل يجب ان يؤمن تمام الايمان بأن دينه الاصوب ولا مجال لأن يفهم حتى السبب خلف ذلك الايمان الصارم والالتزام الكامل بدينه ، ولهذا تجد ان نسبة كبيرة من الطرفين فقط تتعصب لدينها ولو قلت لهم تستطيع ان تغير دينك او تغير فكرك يصبح هذا امرا كارثيا .
ولهذا تجد ظاهرة التدين القشري للأغلبية من الاغلبية – أغلبية المسلمين – تنتشر بشدة ، حجاب غير شرعي و تعصب للدين في غير محله وفي غير حقيقته.
فكم من مسلم قرأ القرآن فاهما لمعانيه قادرا على توصيف هذه المعاني بشكلها الحقيقي ؟! قليل هم من قرأوا وتفكروا في دينهم العظيم وقليل هم من توصلوا الى ان الاسلام دين ودولة ولا تستقيم شئون الحياة الا به ؟ قليل هم من قالوا " لا اله الا الله ، محمد رسول الله " عن فهم كامل لمقتضيات هذه الحقيقة لذلك ليس من المدهش ان ترى شابا فرغ من الصلاة ثم خرج ليتحرش بأنثى وكأنه فهم نصف الدين او جزء مفضل لديه .
المشكلة في المجتمع المصري في تعصبه لدينه وتعصبه لفكره وتعصبه لوطنه هي فقط تغليب العاطفة على العقل دون التأمل في ما يمتلكون .
الاسلام والقرآن دعا للتفكير والتأمل ، وكثيرا ما نرى " أولي الالباب ، أفلا يعقلون ، أفلا يتدبرون" وغيرها على نفس السياق .
هناك احصائية تقول ان 90% من البشر يقفون في جانب مؤمنون بهذا الجانب متعصبون له رافضون تغييره وما يسمونه بالانحياز، و 8% من البشر لديهم المرونة في الاستماع للرأي الآخر والتعليق عليه ومناقشته اوما يعرف باسم التبادلية ،أما النسبة الضئيلة وهي 2% فهؤلاء الذين يقفون بين الطرفين مع الاستماع لكليهما والحكم بحيادية والوصول الى مرحلة الطرح والتقمس أي طرح الانتماءات السابقة والتعامل مع الرأي وليس مع مطلق الرأي ، و تقمس شخصية وعقل وعين الآخر[1] .
وأظن اننا لو طبقنا هذه النظرية على المجتمع المصري لربما تنحرف بنا النسبة الى 97% منحازون و 2% متبادلون و 1% محايدون.
لو ان المصرييون قرورا الخروج من الدائرة وتحليل ادق التفصيلات والوصول الى نتيجة لحلت كل المشكلات ولكن المشكلة كما وصفها الراحل جلال عامر : تحاورني احاورك ، تخالفني اقتلك !


[1]  ذكرها الدكتور نبيل فاروق في كلمته في التي القاها في TEDx ShibinelKom بتاريخ 16-12-2012