الاثنين، مارس 30، 2009

هل نسمعها من مبارك ؟



دق جرس الحصة الثالثة معلنا بدايتها ، وبينما كنت جالسا انتظر حصة اللغة العربية التي اعشقها – اعشق اللغة ليس الحصة – دخل استأذنا الفاضل ، وبعد إلقاء التحية توجه نحو السبورة ليكتب عنوان الدرس وقد كان " من خطبة أبوبكر الصديق بعد بيعة السقيفة " .

جلس الأستاذ الفاضل يشرح الخطبة ، وأنا لا أفكر فيما يقول بل أتدبر في معاني الخطبة وانظر إليها من العمق لا النظرة السطحية التي نتعلمها في المدارس .

وبعد أن انتهت الحصة ، اختليت بنفسي وحاولت تحليل الخطبة التي كانت :-

بعد حمد الله والثناء عليه " أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " .

ووجدت أن هذه الخطبة تحمل دستورا ينظم شئون أي دولة تُحكم به ، والتي يجب أن تسير عليه أي دولة تسعى للتقدم ، وبها صفات عدة من صفات الصديق وإذا التزم أي حاكم بها خرج ببلده من مستنقع التخلف إلى بر العلم والتقدم .

ففي البداية يجب أن نعرف أحوال الدولة الإسلامية بعد خلافة الصديق – رضوان الله عليه - .

لقد ارتدت الجزيرة العربية بأكملها إلا من ثلاث مدن وقرية ! ، أي انه لم يمسك الحكم وهو في أوج قوته . ومع ذلك فقد وضع دستورا يسير عليه حتى تنتهي فترة ولايته ، وربما يكون هذا الدستور هو دستور الخلفاء من بعده .

ولنبدأ بتحليل الخطبة .

أولا : الصديق بدأ بـ" أيها الناس " وهذا دليل على انه لا يخاطب المسلمين فقط بل كل من يحيا على ارض الخلافة .

ثانيا : الصديق أبوبكر يرسخ مبدأ – في غاية الأهمية – وهو تواضع الحاكم بقوله " فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم " مع أننا جميعا نعرف فضل أبوبكر الصديق ويكفي انه أفضل البشر بعد الأنبياء – صلوات الله وتسليماته عليهم – ولكنه يرسخ هذا المفهوم حتى يظل قاعدة تسير عليها الخلفاء من بعده .

وما يدهشك الآن عندما تجد مرشحا يرفع شعار " خير من يمثلكم " من أنت حتى تنسب لنفسك الخيرية ، هل أفضل من الصديق – رضي الله عنه – .

ثالثا : ترسيخ مبدأ الشورى الحقيقية ، ووضع أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم بقوله " فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني " فالحاكم بشر ، والبشر دائما خطاء ، والحاكم يحتاج لشورى حقيقة حتى تصلح قراراته ، ولكن في مصر فدائما ، الحاكم لا يخطأ ، وشعارات أمثال " مصر مبارك "

رابعا : ترسيخ مبدأ الصدق ، كيف لا ؟ والمتكلم هو أبوبكر الصديق – كثير الصدق - .

ولكن هل ذكرها الصديق حتى يرسخ هذه الصفة عند الصحابة ؟ ، الإجابة في هذا الحديث الذي يقول :- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ،ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب اليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ) صحيح مسلم ( الجامع الصغير ) .

فهذا هو جزاء الحاكم الكذاب ، لذا فغياب هذه الصفة أمر في غاية الخطورة ، فهي تلغي التناغم والتفاهم بين الحاكم والرعية .

خامسا : ترسيخ مبدأ العدل والمساواة في قوله " والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله " فهذا هو أهم مفهوم لو سارت به الحكومة في بلدنا لصلح حال البلد بأكمله ، والعدل هو أساس الحكم ، وإحساس المواطن بالظلم أحد أسباب كره الشعب لمصر ، يكفي وصول نسبة الفقر :44% من الشعب تحت خط الفقر, أقل من1 دولار في اليوم.
سادسا :- " ترسيخ أهمية الجهاد بالنسبة لهذه الأمة في قوله " لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل " وهذا استنادا لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – " ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل " متفق عليه .

فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، ولن تحل أزماتنا بالمفاوضات – كما يدعى الساسة والحكام العرب ، وعلى رأسهم مبارك – بل بالجهاد .

سابعا : يخبرنا أسباب الداء ، والذي سيؤدي بنا إلى التهلكة في قوله " ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء " وربما هذا أحد أسباب ظهور أمراض لأول مرة نسمع عنها مثل الإيدز ، السرطان – الذي أصبح انتشاره أمر عادي – وغيرهم كثير ، ربما يرجع ذلك إلى إشاعة الفاحشة وانتشارها بين أوساط الشعب المصري .

وفي النهاية يوضح العلاقة بين الحاكم والمحكوم في قوله " أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " وهذا أيضا تأكيد لقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أخرجه أحمد

فمادام الحاكم يعصى الله فقد وجب علينا عصيانه ولا يجب أن نطيع الأمر تحت دعوى " عبد المأمور " أأنت عبد المأمور أم عبدالله ؟! .

وبعد الانتهاء من قراءة الخطبة ، شعرت بالحزن على الرئيس المصري " محمد حسني مبارك " الذي نسي تلك الوصايا – ربما لا يعرفها أصلا – وكنت أود أن أسمع مثل تلك الخطبة منه ، ولكنه نقل حال مصر من سيء إلى أسوأ ، والأدهى أنه يود أن يظل في الحكم ( طالما هناك نفس يتردد ) بل والأخطر أنه يود ترك المسيرة لابنه ليكملها بعده .

وأتذكر عندما أشار بعض الصحابة علي سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يولي ابنه الخلافة من بعده ولكنه رفض فقال : ألا يكفي أن يحاسب واحدا من آل الخطاب على حقوق المسلمين .

وأحزن كثيرا على حسني مبارك : الذي سيحاسب يوم القيامة على الشعب كله ! ، ومن ظُلم في الدنيا سيقتص منه في الآخرة وقبل أن أختم أحب أن أذكر بالحديث الشريف الذي يقول : " كما تكونوا يول عليكم " الحديث بالرغم من أنه ضعيف فهو يعكس الواقع ، ولكن دائما أتذكر المقولة التي تقول : " إذا أردت أن يكون الحاكم أبوبكر أو عمر فكن كصحابة رسول الله ".

السبت، مارس 21، 2009

عندما تكلم العقل !


في ليلة من حالك الليالي وبينما أنا قد غالبني النعاس ، وأسبلت جفني في محاولة للنوم ، رمقت بطرفي المكتبة وقد امتلأت بالكتب

نفضت من عيني النعاس واتجهت لأقلب فيها لعلي أجد كتابا استمتع بقراءته . وبعد بحث مضني ، وجدت ضالتي ، وجدت كتاب يندرج تحت بند " الأعمال الإبداعية " ويحمل اسم " ارني الله ! " للأستاذ توفيق الحكيم .

غمرتني سعادة كبرى وأسرعت لأقرا في هذا الكتاب المتميز

وعندما شرعت في تقليب صفحاته ، وأقرا عدة قصص حتى انعقد حاجبيّ في محاولة لفهم تلك الكتابات التي تنبع من عقلية فليسوف رائع

وبعد الانتهاء من قراءته التي استغرقت يومين كاملين .

جلست لأحلل وأنتقد .

وبالرغم من عدم حبي لعمل الناقد فأنا اعتبر عمله سهلا فهو يكتفي بالتحكيم فقط .

المهم

ووضعت تقيم لكل رواية .

فمنها روايات في غاية الروعة مثل :- مملكة العصافير – ارني الله وغيرها

وروايات متوسطة – وهي في الغالب قصص شخصية - مثل :- وجه الحقيقة وغيرها

وروايات بها تجاوزات ليست بسيطة مثل :- الشهيد و وكانت الدنيا وغيرها

وبالطبع لا يجب عليّ أن انتقد علامة بارزة مثل الأستاذ توفيق الحكيم

ولأني أحب أن انظر للكوب كاملا الممتلئ منه والفارغ

وانظر بعيني الاثنين لا بعين واحدة

وودت أن أدون بعض الايجابيات والسلبيات التي خرجت منها بعد قراءتي للكتاب

ولنبدأ بالإيجابيات .

1- ازدادت محصلتي اللغوية واستفادت من بعض المصطلحات الرائعة

2- تعرفت على طرق جديدة في كتابة الروايات

أما بالنسبة للسلبيات فوجدت سلبية خطيرة وهي التجاوزات التي منها مثلا :-

أنه في قصة " وكانت الدنيا " ادعى أن إبليس هو خالق حواء ( ملحوظة :- ذكر الأستاذ توفيق أن تلك القصة مختلقة وهي علي سبيل التفكه لا الاعتقاد )

وفي قصة " الشهيد " تخيل أن إبليس قرر أن يتوب ! ولم يستطع أن يفعل لأن وظيفته هي أن يغوي ويوسوس.

وعندما طرحت علي نفسي هذا السؤال :- لماذا هذه التجاوزات ؟؟

وجدت الإجابة قد ذكرها الكاتب وهي الفلسفة ( قاتلها الله ) .

وهنا لنا وقفة

وهي عن الفلسفة التي تسببت في أعمال العقل دون تدبر ، وعندما يتم أعماله في أمور عقائدية سوف يؤدي إلي تجاوزات في منتهى الخطورة

وأنا لا أحارب الفلسفة فأنا أيضا أحب الفلسفة فهي تدعوا للتفكر والتأمل وهذا مطلوب وموجود في ديننا السمح .

ولكني أحارب إعمال العقل في غير محله .

فالإنسان عبارة عن منظومة متكاملة تتكون من ( عقل – نفس – جسم – بيئة ) ولا يجب تغليب شيء علي الآخر

فالعقل له وقت

والقلب له وقت

والروح لها وقت

فالصوفية أدى اهتمامهم بالروح إلي شطحات رهيبة وأدت إلي تدهور وفساد أمور عقائدية رهيبة .

وانهي حديثي بقولي أن للفلسفة دور ولكن مساند للعلم

وإذا كانت الفلسفة فقط هي من ستنهض بالأمم

فلن تنهض الأمم أبدا

الهوية المصرية .... إلي أين ؟


منذ أيام ليست ببعيدة أقامت المدرسة ندوة بعنوان " الإعلام ودوره في غياب الهوية المصرية " وتحدث فيها موجه من الإدارة التعليمية عن دور الإعلام العربي في تشويه وضياع الهوية المصرية ؛ فكلما ازداد انتشار للفضائيات ازداد معه ضياع الهوية المصرية واسترسل في حديثه في هذه النقطة ، وفي ختام الكلمة أعطى دفعة أمل قوية بقوله أن الأمام محمد عبده لم يولد إمام ، والزعيم جمال عبد الناصر لم يولد زعيما ، والقائد محمد أنور السادات لم يولد قائدا ، وأن البطل أحمد عبد العزيز – أقصد – البطل محمد حسني مبارك لم يولد بطلا !، وبالطبع لم ينس الدفاع بشدة عن الإعلام المصري الذي يحاول جاهدا أن يصل بالعقول المصرية إلى بر الأمان حتى يعيد للهوية المصرية مكانتها في نفوس أهلها .

وأثناء ذلك الحديث منعت نفسي من ضحكة كادت تنفلت مني ، فلقد كنت وكأني أشاهد فيلما هزليا ، حتى أنني كنت أود أن أقاطعه أكثر من مرة ، ولكني احترمته وجلست أصفق له كما يفعل نواب الحكومة في مجلس الشعب ! .

ثم جاء دور الأسئلة ، ومعظمها كانت أسئلة لا تسمن ولا تغني من جوع إلا من بعض الأسئلة القليلة التي كانت تعتبر حقا أسئلة في غاية الأهمية ، وشعرت من طريقة إجابته أنه لا يفقه ما يقول وكل هذا الحديث كان مجرد عدة جمل يحفظها عن ظهر قلب ويكررها في كل الندوات المختلفة ، ولم أستطع فهم منهجيته ولا مرجعيته فهو يقول كلاما متناقض تماما .

وهنا قررت خلع حجاب الصمت وإلقاء السلبية جانبا وأساله عدة أسئلة ولكن أستاذي - الذي يعرف خلفيتي الثقافية - رفض إعطائي الفرصة للحديث ولم استطع أن اسأله السؤال الذي حيرني تماما .

ولا أزعم أن سؤالي يعتبر عبقريا أو ينبع من عقلية مبدع ولكنه سؤال تقليدي جدا .

أردت أن أسال : - لماذا ضاعت الهوية المصرية بهذه الطريقة ؟ هل الإعلام العربي هو السبب في هذا الضياع حقا ؟ أنا لا اعتقد ذلك فالمصري دائما يدفع عن قوميته إذا هوجمت من قبل الغرب أو العرب وما حدث أيام الحرب علي غزة أكبر مثل حي ، فلقد دافع الجميع عن دور مصر ، وهاجم المغرضين الذين يهمشون دور مصر الرائد في المنطقة .

وأنا أرى أن السبب الحقيقي وراء ضياع الهوية المصرية هو إحساس المواطن المصري بالظلم ؛ فالمدرس – وهو موظف حكومي – لا يحصل على نفس الراتب الذي يحصل عليه من هو مثله ولكن في قطاع آخر كالبترول مثلا .

كثير من الناس شعر بأن الحياة في مصر أصبحت غير ممكنة ، فقرروا الانسلاخ من هويتهم المصرية من أجل الحصول على الحياة الكريمة ، فمواطن الشارع يرى أن مصر انتهكت آدميتهم وأضاعت حقوقهم .

أما بالنسبة للإعلام ، فالإعلام المصري هو الذي ضيع الهوية المصرية لأنه لا يتحدث عن الواقع بل يزيفه ويشوه ، حتى بات المصري كارها لهذا الإعلام المزيف المغير للحقائق مما أدى إلى الإحساس بفقد الأمل في الإصلاح .

وأخيرا فالحكومة المصرية تعيش في واد والشعب في واد آخر ، تتحدث بلغة لا نفهمها ، تقف على قمة جبل عالي يضاهي قمة ( إفرست ) والشعب يحيا بالأسفل في واد سحيق يتطلع إلى الحكومة عساه يحظى بنظرة رأفة من الحكومة .

أننا لا نريد من الحكومة إلا أن تهبط من فوق الجبل وتقترب أكثر من الشارع ، تعرف مشكلاته وآلامه ، وتصعد بهم إلى قمة الجبل .

وفي النهاية أوجه رسالة للحكومة وأقول لها :- والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها لجنة أبدا أو نار أبدا

فاتقوا الله في شعوبكم