الجمعة، مايو 23، 2014

حتى لا تفقد جلالتها !!




ما زلت أذكر يوم أن أخرج أبي دفتره وقدمه إليّ قائلا "ما رأيك؟"، يومها كنت مندهشا، فها هو قدوتي وأفضل من يعرف اللغة العربية وأستاذ الكتابة الأدبية ورفيق البلاغة وتلميذ الإبداع-في عيني-يطلب رأيي فيما يكتب!!
أعلم أنه فعل ذلك تشجيعا لي، فهو يرى طفله الصغير يعشق الكتابة ويبحث عن الحقيقة ويسطر تحقيقات صحفية ومقارنات بين مرشحي رئاسة مصر وهو لم يتجاوز عامه الخامس عشر!!
شجعني كثيرا ودفعني لجمع كل ما أكتب في مفكرة صغيرة، وكان دائما يردد على مسامعي "غدا... ستنير سراج الحقيقة في بلاط صحابة الجلالة".
أتى غدا.... تسعُ سنوات مرت لأجد نفسي عاملا في بلاط صاحبة الجلالة، أجتهد في البحث عن الحقائق وأرصد أحلام وآمال وفرح وهم الإنسان!
عفوا... هذا ما كنت أتمناه، فالحقيقة أنني لا أجتهد في البحث عن شيء ولا أرصد شيء، فبلاط صاحبة الجلالة اتسخ بالمنافقين، وأصبح حكرا على الوصوليين، لقد أصبحت الصحافة مؤخرا مجرد مهنة!
لا أحب العيش بلا مبادئ أو قيم، وأكره ذلك الصحفي الذي يتحدث عن مهنته قائلا "أكل عيش"
فيا أيها الصحفي، إذا لم تكن على دراية جيدة بأن دورك الحقيقي هو تنوير الشعوب والبحث عن الحقيقة والوقوف بجانب المظلوم وأنك صوت من لا صوت له ودورك الدفاع عمن لا يمكنه الدفاع عن نفسه فاكسر قلمك، إذا كنت فقط مجرد موظف يخرج من بيته خماصا ليعود بطانا دون هدف فاكسر قلمك، إذا كنت مجرد أداة لنظام قمعي ظالم جائر فاكسر قلمك، إذا خُيرت بين الحياة أو الحرية فاخترت الحياة على الحرية فاكسر قلمك، إذا وقفت أمام الطاغية عاجزا منكسرا تناديه "سيدي" وتناجيه بالعفو والرحمة متجنبا غضبه فاكسر قلمك، إذا شعرت بأنك تتاجر بهموم الناس وآلامها من أجل "تحقيق صحفي ناجح" تحصل فيه على مكافأة مالية فاكسر قلمك!
لا أحترمك وأنت تكتب في الصباح عاش الملك لأن تعمل في أحد جرائده، وتصرخ في المساء يسقط الملك لأنك في قناة المعارضة، لا أحترمك وأنت تضطر لكتابة شيء لا يوافق الحقيقة لا لشيء إلا على تخوف من فرعون وملائه أن يفتنوك !
أرجوك إن اردت العمل في بلاط صاحبة الجلالة، فلا تدنسه. لا نريد أن يعلوا الطين الحقيقة، لا نريد أن يتردد في جنابته صوت الباطل، لا نريد لصاحبة الجلالة أن تفقد جلالتها !!