دق جرس الحصة الثالثة معلنا بدايتها ، وبينما كنت جالسا انتظر حصة اللغة العربية التي اعشقها – اعشق اللغة ليس الحصة – دخل استأذنا الفاضل ، وبعد إلقاء التحية توجه نحو السبورة ليكتب عنوان الدرس وقد كان " من خطبة أبوبكر الصديق بعد بيعة السقيفة " .
جلس الأستاذ الفاضل يشرح الخطبة ، وأنا لا أفكر فيما يقول بل أتدبر في معاني الخطبة وانظر إليها من العمق لا النظرة السطحية التي نتعلمها في المدارس .
وبعد أن انتهت الحصة ، اختليت بنفسي وحاولت تحليل الخطبة التي كانت :-
بعد حمد الله والثناء عليه " أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " .
ووجدت أن هذه الخطبة تحمل دستورا ينظم شئون أي دولة تُحكم به ، والتي يجب أن تسير عليه أي دولة تسعى للتقدم ، وبها صفات عدة من صفات الصديق وإذا التزم أي حاكم بها خرج ببلده من مستنقع التخلف إلى بر العلم والتقدم .
ففي البداية يجب أن نعرف أحوال الدولة الإسلامية بعد خلافة الصديق – رضوان الله عليه - .
لقد ارتدت الجزيرة العربية بأكملها إلا من ثلاث مدن وقرية ! ، أي انه لم يمسك الحكم وهو في أوج قوته . ومع ذلك فقد وضع دستورا يسير عليه حتى تنتهي فترة ولايته ، وربما يكون هذا الدستور هو دستور الخلفاء من بعده .
ولنبدأ بتحليل الخطبة .
أولا : الصديق بدأ بـ" أيها الناس " وهذا دليل على انه لا يخاطب المسلمين فقط بل كل من يحيا على ارض الخلافة .
ثانيا : الصديق أبوبكر يرسخ مبدأ – في غاية الأهمية – وهو تواضع الحاكم بقوله " فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم " مع أننا جميعا نعرف فضل أبوبكر الصديق ويكفي انه أفضل البشر بعد الأنبياء – صلوات الله وتسليماته عليهم – ولكنه يرسخ هذا المفهوم حتى يظل قاعدة تسير عليها الخلفاء من بعده .
وما يدهشك الآن عندما تجد مرشحا يرفع شعار " خير من يمثلكم " من أنت حتى تنسب لنفسك الخيرية ، هل أفضل من الصديق – رضي الله عنه – .
ثالثا : ترسيخ مبدأ الشورى الحقيقية ، ووضع أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم بقوله " فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني " فالحاكم بشر ، والبشر دائما خطاء ، والحاكم يحتاج لشورى حقيقة حتى تصلح قراراته ، ولكن في مصر فدائما ، الحاكم لا يخطأ ، وشعارات أمثال " مصر مبارك "
رابعا : ترسيخ مبدأ الصدق ، كيف لا ؟ والمتكلم هو أبوبكر الصديق – كثير الصدق - .
ولكن هل ذكرها الصديق حتى يرسخ هذه الصفة عند الصحابة ؟ ، الإجابة في هذا الحديث الذي يقول :- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ،ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب اليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ) صحيح مسلم ( الجامع الصغير ) .
فهذا هو جزاء الحاكم الكذاب ، لذا فغياب هذه الصفة أمر في غاية الخطورة ، فهي تلغي التناغم والتفاهم بين الحاكم والرعية .
خامسا : ترسيخ مبدأ العدل والمساواة في قوله " والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله " فهذا هو أهم مفهوم لو سارت به الحكومة في بلدنا لصلح حال البلد بأكمله ، والعدل هو أساس الحكم ، وإحساس المواطن بالظلم أحد أسباب كره الشعب لمصر ، يكفي وصول نسبة الفقر :44% من الشعب تحت خط الفقر, أقل من1 دولار في اليوم.
سادسا :- " ترسيخ أهمية الجهاد بالنسبة لهذه الأمة في قوله " لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل " وهذا استنادا لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – " ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل " متفق عليه .
فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، ولن تحل أزماتنا بالمفاوضات – كما يدعى الساسة والحكام العرب ، وعلى رأسهم مبارك – بل بالجهاد .
سابعا : يخبرنا أسباب الداء ، والذي سيؤدي بنا إلى التهلكة في قوله " ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء " وربما هذا أحد أسباب ظهور أمراض لأول مرة نسمع عنها مثل الإيدز ، السرطان – الذي أصبح انتشاره أمر عادي – وغيرهم كثير ، ربما يرجع ذلك إلى إشاعة الفاحشة وانتشارها بين أوساط الشعب المصري .
وفي النهاية يوضح العلاقة بين الحاكم والمحكوم في قوله " أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " وهذا أيضا تأكيد لقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أخرجه أحمد
فمادام الحاكم يعصى الله فقد وجب علينا عصيانه ولا يجب أن نطيع الأمر تحت دعوى " عبد المأمور " أأنت عبد المأمور أم عبدالله ؟! .
وبعد الانتهاء من قراءة الخطبة ، شعرت بالحزن على الرئيس المصري " محمد حسني مبارك " الذي نسي تلك الوصايا – ربما لا يعرفها أصلا – وكنت أود أن أسمع مثل تلك الخطبة منه ، ولكنه نقل حال مصر من سيء إلى أسوأ ، والأدهى أنه يود أن يظل في الحكم ( طالما هناك نفس يتردد ) بل والأخطر أنه يود ترك المسيرة لابنه ليكملها بعده .
وأتذكر عندما أشار بعض الصحابة علي سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يولي ابنه الخلافة من بعده ولكنه رفض فقال : ألا يكفي أن يحاسب واحدا من آل الخطاب على حقوق المسلمين .
وأحزن كثيرا على حسني مبارك : الذي سيحاسب يوم القيامة على الشعب كله ! ، ومن ظُلم في الدنيا سيقتص منه في الآخرة وقبل أن أختم أحب أن أذكر بالحديث الشريف الذي يقول : " كما تكونوا يول عليكم " الحديث بالرغم من أنه ضعيف فهو يعكس الواقع ، ولكن دائما أتذكر المقولة التي تقول : " إذا أردت أن يكون الحاكم أبوبكر أو عمر فكن كصحابة رسول الله ".
جلس الأستاذ الفاضل يشرح الخطبة ، وأنا لا أفكر فيما يقول بل أتدبر في معاني الخطبة وانظر إليها من العمق لا النظرة السطحية التي نتعلمها في المدارس .
وبعد أن انتهت الحصة ، اختليت بنفسي وحاولت تحليل الخطبة التي كانت :-
بعد حمد الله والثناء عليه " أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " .
ووجدت أن هذه الخطبة تحمل دستورا ينظم شئون أي دولة تُحكم به ، والتي يجب أن تسير عليه أي دولة تسعى للتقدم ، وبها صفات عدة من صفات الصديق وإذا التزم أي حاكم بها خرج ببلده من مستنقع التخلف إلى بر العلم والتقدم .
ففي البداية يجب أن نعرف أحوال الدولة الإسلامية بعد خلافة الصديق – رضوان الله عليه - .
لقد ارتدت الجزيرة العربية بأكملها إلا من ثلاث مدن وقرية ! ، أي انه لم يمسك الحكم وهو في أوج قوته . ومع ذلك فقد وضع دستورا يسير عليه حتى تنتهي فترة ولايته ، وربما يكون هذا الدستور هو دستور الخلفاء من بعده .
ولنبدأ بتحليل الخطبة .
أولا : الصديق بدأ بـ" أيها الناس " وهذا دليل على انه لا يخاطب المسلمين فقط بل كل من يحيا على ارض الخلافة .
ثانيا : الصديق أبوبكر يرسخ مبدأ – في غاية الأهمية – وهو تواضع الحاكم بقوله " فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم " مع أننا جميعا نعرف فضل أبوبكر الصديق ويكفي انه أفضل البشر بعد الأنبياء – صلوات الله وتسليماته عليهم – ولكنه يرسخ هذا المفهوم حتى يظل قاعدة تسير عليها الخلفاء من بعده .
وما يدهشك الآن عندما تجد مرشحا يرفع شعار " خير من يمثلكم " من أنت حتى تنسب لنفسك الخيرية ، هل أفضل من الصديق – رضي الله عنه – .
ثالثا : ترسيخ مبدأ الشورى الحقيقية ، ووضع أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم بقوله " فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني " فالحاكم بشر ، والبشر دائما خطاء ، والحاكم يحتاج لشورى حقيقة حتى تصلح قراراته ، ولكن في مصر فدائما ، الحاكم لا يخطأ ، وشعارات أمثال " مصر مبارك "
رابعا : ترسيخ مبدأ الصدق ، كيف لا ؟ والمتكلم هو أبوبكر الصديق – كثير الصدق - .
ولكن هل ذكرها الصديق حتى يرسخ هذه الصفة عند الصحابة ؟ ، الإجابة في هذا الحديث الذي يقول :- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ،ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب اليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ) صحيح مسلم ( الجامع الصغير ) .
فهذا هو جزاء الحاكم الكذاب ، لذا فغياب هذه الصفة أمر في غاية الخطورة ، فهي تلغي التناغم والتفاهم بين الحاكم والرعية .
خامسا : ترسيخ مبدأ العدل والمساواة في قوله " والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله " فهذا هو أهم مفهوم لو سارت به الحكومة في بلدنا لصلح حال البلد بأكمله ، والعدل هو أساس الحكم ، وإحساس المواطن بالظلم أحد أسباب كره الشعب لمصر ، يكفي وصول نسبة الفقر :44% من الشعب تحت خط الفقر, أقل من1 دولار في اليوم.
سادسا :- " ترسيخ أهمية الجهاد بالنسبة لهذه الأمة في قوله " لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل " وهذا استنادا لحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – " ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل " متفق عليه .
فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، ولن تحل أزماتنا بالمفاوضات – كما يدعى الساسة والحكام العرب ، وعلى رأسهم مبارك – بل بالجهاد .
سابعا : يخبرنا أسباب الداء ، والذي سيؤدي بنا إلى التهلكة في قوله " ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء " وربما هذا أحد أسباب ظهور أمراض لأول مرة نسمع عنها مثل الإيدز ، السرطان – الذي أصبح انتشاره أمر عادي – وغيرهم كثير ، ربما يرجع ذلك إلى إشاعة الفاحشة وانتشارها بين أوساط الشعب المصري .
وفي النهاية يوضح العلاقة بين الحاكم والمحكوم في قوله " أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " وهذا أيضا تأكيد لقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أخرجه أحمد
فمادام الحاكم يعصى الله فقد وجب علينا عصيانه ولا يجب أن نطيع الأمر تحت دعوى " عبد المأمور " أأنت عبد المأمور أم عبدالله ؟! .
وبعد الانتهاء من قراءة الخطبة ، شعرت بالحزن على الرئيس المصري " محمد حسني مبارك " الذي نسي تلك الوصايا – ربما لا يعرفها أصلا – وكنت أود أن أسمع مثل تلك الخطبة منه ، ولكنه نقل حال مصر من سيء إلى أسوأ ، والأدهى أنه يود أن يظل في الحكم ( طالما هناك نفس يتردد ) بل والأخطر أنه يود ترك المسيرة لابنه ليكملها بعده .
وأتذكر عندما أشار بعض الصحابة علي سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يولي ابنه الخلافة من بعده ولكنه رفض فقال : ألا يكفي أن يحاسب واحدا من آل الخطاب على حقوق المسلمين .
وأحزن كثيرا على حسني مبارك : الذي سيحاسب يوم القيامة على الشعب كله ! ، ومن ظُلم في الدنيا سيقتص منه في الآخرة وقبل أن أختم أحب أن أذكر بالحديث الشريف الذي يقول : " كما تكونوا يول عليكم " الحديث بالرغم من أنه ضعيف فهو يعكس الواقع ، ولكن دائما أتذكر المقولة التي تقول : " إذا أردت أن يكون الحاكم أبوبكر أو عمر فكن كصحابة رسول الله ".