الخميس، أكتوبر 09، 2008

إضاعة ورقة حماس


لقد ارسل لي احد اصدقائي مقالا رائعا للاستاذ الفاضل رفيق حبيب لذا اردت ان انقله لكم

بقلم د. رفيق حبيب

يبدو موقف السياسة الخارجية المصرية، في صورة من فقد القدرة علي الحركة والمناورة، ومن فقد الدور والوضع والتأثير. وفي إقليم مليء بالأحداث المتغيرة والمتتالية، ومليء بالصراعات والمواجهات، يفترض أن يكون لكل دولة دورها بحسب حجمها وموقعها وطبيعتها. ولكن هذا لا يحدث بالنسبة للنظام المصري، وبالتالي نجد مصر الدولة ونظام الحكم غائبة، أكثر من كونها حاضرة، ذاك الغياب الذي جعل الإقليم يتحرك في اتجاهات متغيرة، لا دور لمصر فيها،

ولا مكان لها بها. ولكن دور مصر التاريخي المحوري، يفترض لها موقعًا مختلفًا. فهي تكاد تكون في قلب الأحداث، وفي خط المواجهة مع كل المشكلات. كما أنها تتأثر بكل ما يجري حولها، لأنها في قلب الإقليم العربي الإسلامي. ومستقبل مصر مرتبط بكل ما يحدث حولها، وفي محيطها العربي الإسلامي، كما أن مستقبل مصر يرتبط أساسًا بالمواجهات الأساسية التي تحدث في المنطقة، خاصة المواجهة العربية الإسلامية مع المشاريع الأمريكية الإسرائيلية.

صحيح أن النظام المصري متحالف مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة ومرتبط به ارتباطًا شديدًا، ولكن هذا ليس تفسيرًا كافيًا لما يحدث من النظام المصري في سياسته الخارجية. لأن ارتباط النظام المصري بتحالف مع الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، لا يفرض عليه أن يكون بلا دور أو تأثير، بل يفرض عليه في الواقع أن يكون له دور إيجابي في اتجاه تحقيق السياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، بما يعني أن يكون للنظام المصري دور في حل المشكلات والصراعات الحادثة في مختلف بلاد المنطقة، والتي تهدد الاستقرار بصورة تضر بكل الأطراف. والأطراف الأخرى المتحالفة مع الحلف الأمريكي، تقوم بأدوار أكبر مما تقوم به مصر، وقطر مثال علي ذلك، وأيضًا تركيا، والتي يمثل الدعم الأمريكي لها حماية لحزب العدالة والتنمية في مواجهة خصومه. ولا يفهم في الواقع، أن يكون التحالف مع طرف يعني التأييد الكامل لكل ما يفعله، والموافقة علي كل خططه وسياساته، ولا توجد تبعية كاملة بهذا الشكل. كما أن التأييد لمشروع التسوية الأمريكي الإسرائيلي، يعني القدرة علي القيام بدور فاعل من أجل تمرير هذا المشروع. ولكن النظام المصري لم يعد قادرًا علي القيام بأي دور، ويبدو أنه أصيب بحالة شلل كامل في السياسة الخارجية، تتوافق مع حالة شلل كامل في السياسة الداخلية، لدرجة فتحت الباب واسعًا أمام قوي إقليمية أخري لتقوم بأدوار متميزة ومؤثرة، ومنها القوي المناوئة للمشروع الأمريكي ومنا أيضًا القوي المؤيدة له. ورأينا في السنوات والشهور الماضية، كيف يتعاظم الدور التركي والإيراني والسوري والقطري في المنطقة، بدون ظهور الدور المصري، وأيضًا مع تراجع في الدور الأردني، وبدرجة ما تراجع في الدور السعودي. وتلك صورة في الواقع، تؤكد حدوث نوع من إحلال القوي في المنطقة، يجعل القوي الأكثر تأثيرًا تتراجع لصالح قوي جديدة، تقوم بأدوار تكون أحيانًا أكبر من حجمها، وأحيانا أخري تكون مفاجئة.

ورغم هذه الحالة المتراجعة للدور المصري، إلا أن مصر أمامها فرصة غير متاحة للأطراف الأخرى، فهي مازالت دولة من الدول المحيطة بإسرائيل، والتي تمثل قلب مشكلات العالم، ولها حدود مع فلسطين المحتلة. وبجانب كل هذا، نجد أن مصر هي الدولة الوحيدة التي ترتبط بحدود مع قطاع غزة، والذي تحده مصر من الغرب، وقوات الاحتلال الإسرائيلي من الشرق. وقطاع غزة تحول بفعل العديد من العوامل إلي مركز فعلي ورمزي للعديد من الصراعات، سواء بين الفصائل الفلسطينية أو بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي. وبعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في عام 2006، تحول قطاع غزة إلي بؤرة المواجهة بين إسرائيل وحركة حماس، خاصة بسبب انسحاب إسرائيل منه، ذلك الانسحاب الذي سمي أحادي الجانب. وأصبح قطاع غزة مركزًا للمقاومة الفلسطينية، خاصة من قبل حركة حماس والجهاد الإسلامي. وعندما بدأت خطة تصفية حركة حماس وكوادرها العسكرية، واضطرت الحركة لحسم الوضع في قطاع عزة عسكريًا، وبهذا سيطرت الحكومة الشرعية علي القطاع، واستطاعت مواجهة القوي الأمنية التي تآمرت عليها، أصبحت حركة حماس هي المسيطرة فعليًا علي قطاع، بوصفها الحكومة المنتخبة، وبحكم الأمر الواقع معًا. وهنا ظهرت العديد من المحاور، منها الخلاف عن دورها السياسي، وتسليم القطاع لرئاسة السلطة الوطنية. وأضيف لهذا، العمل العسكري النوعي الذي قامت به حركة حماس، وأدي إلي أسر الجندي الإسرائيلي، مما فتح ملفًا جديدًا بين إسرائيل وحركة حماس. ثم بدأت سلسلة المواجهات العسكرية، بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس وحركات المقاومة الأخرى، والتي تمثلت في عمليات اجتياح للقطاع من قبل إسرائيل، وإطلاق الصواريخ محلية الصنع من قبل حركة حماس وحركات المقاومة. وظهر هنا ملف جديد، وهو ملف التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل، بجانب ملف الجندي الأسير، وملف التوافق بين الفصائل الفلسطينية، خاصة حركتي فتح وحماس.
الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وأيضًا الحصار الإسرائيلي الظالم لقطاع غزة، والذي يراد منه الضغط علي حركة حماس للتنازل
في هذه الأجواء، نجد أن حركة حماس تصر علي الدور المحوري لمصر، وتسلمها جميع الملفات، وتطلب منها التوسط بين الفصائل الفلسطينية، كما تسلمها ملف الجندي الأسير، وتجعلها المفاوض الرئيسي في هذا الملف، بجانب ملف التهدئة وفك الحصار علي قطاع غزة. ومصر تملك في يدها مفتاحًا مهمًا، وهو معبر رفح، وبيدها أن تفتح المعبر أو تغلقه، وبهذا تملك مصر ورقة إضافية تستطيع بها تحويل مجري المفاوضات، أو الضغط علي هذا الطرف أو ذاك. ولكن موقف النظام المصري في هذه الملفات جميعًا يدعو للحيرة، فهو ليس فقط موقفًا منحازًا للطرف الإسرائيلي، ولمواقف الإدارة الأمريكية، ولكنه موقف منحاز أيضًا لطرف فلسطيني وهو حركة فتح ضد طرف آخر، وهو حركة حماس. ويضاف لهذا، أن النظام المصري أصبح يمارس ضغطًا علي حركة حماس، وعلي سكان قطاع غزة، ويشترك فعلاً في حصار قطاع غزة، بما جعله شريكًا أساسيًا لما يحدث من حصار لقطاع غزة. وهكذا لم يعد الطرف المصري محايدًا أو موضوعيًا أو حكمًا، بل أصبح طرفًا في الصراع، ولم يستطع تحقيق أي إنجاز علي مستوي ملف التهدئة والحصار، أو ملف الجندي الأسير، أو ملف الخلاف الفلسطيني. والغريب أن حركة حماس وبعد هذا التعنت المصري، تعرف أن دور مصر البلد والشعب والتاريخ، محوري وأساسي، ومازالت تعطي مصر الدور الرئيسي في كل هذه الملفات، وهذا ليس خوفًا من النظام المصري، فهو لن يقتحم قطاع عزة، ولن يفعل أكثر مما يحدث الآن، وهو المشاركة في حصار القطاع.

تلك الصورة تؤكد أن الأمر يتجاوز مسألة دخول النظام المصري في الحلف الأمريكي الإسرائيلي، فهو لم يعد قادرًا علي تحقيق المصالح الأساسية لنفسه، والتي تتمثل في أهمية قيام مصر بدور قيادي في المنطقة لحماية مصالحها العليا. كما أن النظام المصري بهذه الصورة المتراجعة، لم يعد مفيدًا أو مهمًا لأمريكا أو إسرائيل، وهناك دول أخري سوف تصبح أكثر أهمية. وهذا ما يضع علامة استفهام علي موقف النظام المصري، والذي لم يعد قادرًا علي تحقيق توازن بين علاقته بأمريكا وإسرائيل وبين مصالح مصر العليا، ولا أن يقيم توازنًا بين التوافق مع سياسة أمريكا في المنطقة، والقيام بدور مركزي يعزز موقف مصر وأمنها في محيطها. والغالب أن ما حدث للنظام المصري، أنه استهلك في علمية التسوية والتحالف مع النظام الأمريكي، حتى أصبح وجهًا مكشوفًا أو محروقًا، ولم يعد يمثل واجهة مناسبة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، وبهذا انتهي دوره وأصبح التخلص منه مسألة وقت، واتجه الحلف الأمريكي للبحث عن وجوه جديدة، قادرة علي المناورة. ويبدو أن النظام المصري يدرك أنه لم يعد الجواد الرابح لأمريكا، وأنه أصبح مثل خيل الحكومة التي تعدم بعد انتهاء دورها. ولهذا نجد النظام يتقلص ويتراجع تلقائيًا، ويقلل دوره ويتوارى، وكأنه يخشى لحظة خلاص السيد الأمريكي منه.

ليست هناك تعليقات: