عندما
تحدث علماء النفس عن الانطوائية والانبساطية ووزعوا صفات الانسان بين انطوائي
مثالي وانبساطي (اجتماعي) مثالي ، اوضحوا انه في واقع الحياة لا يوجد مثل هذا
النوع من المثالية ولكن الانطوائية والانبساطية تتوزع على البشر بنسب مئوية ،
فمثلا الشخص الانطوائي يمتلك سبعين بالمائة من صفات الانطوائية و الباقي انبساطية
وهكذا .
ولو اننا
تأملنا القرآن العظيم لوجدنا ان الله وسع الدائرة فقال : " ونفس وما سواها *
فألهمها فجورها وتقواها " لذلك فالله وزع الفجور والتقوى على البشر ولكنه
اضاف " قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها " فأصبح الانسان في مقدوره
ان يزيد من التقوى او يقلل منه .
لو أخذنا
من المقدمة الى عنوان الموضوع " العنصرية " سنجد ان كل بشري على الارض
يمتلك نوعا من انواع العنصرية قد تظهر في مواقف عابر أو قد تصبح نموذجا حيا .
بعد ثورة
يناير وفي اطار التحول الاجتماعي ، ظهرت العنصرية بقوة وبشده في أحداث متتابعة
بدءا باستفتاء مارس وصولا الى لحظة كتابة هذا المقال ومرورا بأحداث محمد محمود
ومجلس الوزراء وغيره
لو
تأملنا دقائق الاحداث منذ قيام الثورة ستجد ان التربة الاجتماعية تألقت فيها نبته
العنصرية والانحياز بشكل مبالغ فيها فأصبح الكل يلعب في صف فريق ما ، فإما مع
الثورة او فلول ، وإما مع الثورة أو مع العسكر – فلول أيضا – ، إما ان تقول لا
للدستور لتصبح مع الثورة إما ان تقول نعم للدستور وتصبح من الإخوان أو من – على حد
تعبيرهم – الخرفان !
اصبحت
الخلافات السياسية عداء والسبب وراء ذلك هو العنصرية ، فالطفل المصري وجد اباه قد
يتشاجر مع الجار بسبب مشكلات بينه وبين ابن جاره ، وقد يكون الابن مخطئا الا ان
الاب لا يسعه الا ان يهاجم الطرف الآخر دون ان يتساءل عن المخطيء أو ربما دون ان
يعرف ماذا جرى ؟!
ايضا يتم
زرع حب الدين بقوة في نفس الطفل ليس بمبدأ " لكم دينكم ولي دين " او
بمبدأ " من يشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ولكن بميدأ الآخر مفسد ومصيره
جهنم ، فمع اول شجار بين مسلم ونصراني تتحول القصة الى فتنة طائفية مشتعلة.
الطفل
الذكر يتم معاملته في بعض العائلات على انه الرجل وحامل اسم العائلة وكل هذه
المرادفات ؛ لذلك يشعر الطفل بأن من حقوقه ان يفرض رأيه وسيطرته على الأنثي بحكم
ذكوريته وهو لم يخترها وبالتالي تتولد لديه العنصرية ضد المرأة بحكم انه السيد وهي
الخادمة ، ومن هنا يتولد عند الفتاة عنصرية مقابلة لتواجه عنصرية الرجل ، ومن هنا
ظهرت جمعيات حقوق المرأة وغيرها.
وفي بعض
الاسر الأخرى تدلل الفتاة أكثر من الصبي فيتولد عنصرية واحساس بالأفضلية كونها
أنثى على أخيها الذكر ، فيرتفع الاحساس بالغرور الذكوري (male ego) ويتحول الى عنصري ضد كل أنثى .
لو
انتقلنا الى مباريات كرة القدم ، لم تخلو من العنصرية فالزملكاوي يرى الأهلي فريق
يفوز ببركة الحكام وتزويرهم والأهلي فريق يحتكر النجوم ويشتريهم ، في حين ان
الزمالك في عين الأهلاوي فريق ضعيف لا يصلح القول عليه بقطب الكرة المصرية مع
النادي الأهلي .
بعد
الثورة حينما اصبحت السياسة متاحة للجميع وكل انسان له الحق في ابداء رأية ، ظهرت
القبلية والعصبية والعنصرية ، فكثيرا ما كنت اسمع من اصدقائي الليبراللين
والاشتراكين والعلمانيين مقولة " الاخوان تجار الدين " وعلى الطرف الآخر
" العلمانيين الكفرة " مع انك قد تكون إخواني دون ان تتاجر بالدين ، وقد
تكون علماني دون ان تكون كافر.
السبب
وراء كل هذا هو ذلك الستار الفكري والنفسي بين طرفي اي نزاع سواء سياسي او اجتماعي
او رياضي او ديني ، فالغني لم يجرب التعامل مع الفقراء فاعتبرهم " فلاحين
" والفقير لم يتعامل مع الغني فاعتبره فاسق مبذر ، المسلم لم يفهم حقيقة دينه
ولم يقرأ عن الأديان الآخرى فعداه وهكذا
النصراني، الأهلاوي لم يفكر يوما في متابعة مبارة للزمالك بغية الاستمتاع
بالمشاهدة ليحكم بالحق على أداء الفريق وهكذا فعل
الزملكاوي ، الاخواني لم يقرأ عن الأفكار المختلف واكتفى بما يسمعه هنا
وهناك من مفاهيم خاطئة فهاجمهم وهكذا فعل العلماني .
اذكر
موقفا حدث في الجامعة حين تساءل رئيس اتحاد طلاب الجامعة الامريكية الاستاذ نادر
بكار عن ان الحكم بالاسلام والعودة للعصور الوسطى والمعروفة باسم عصور الظلام كارثة على المجتمع ، ولو انه قرأ
قليلا لاكتشف ان المسلمون كانوا في أزهى عصورهم ابان العصور الوسطى والأوربيون هم
من كان الأمر بالنسبة اليهم عصور ظلام.
الكارثة
في مصر ليست الاختلاف بل عدم قبول الاختلاف الناتج من الجهل بالآخر والناتج من
التعامل العاطفي مع الأمور وليس حكم العقل والناتج من الناتج من العنصرية المصرية
التي ترفض حتى التفكير
أمر آخر
وهو فكرة المفهوم الخاطيء والمسبوق عن الأفراد والأماكن او النمطية (Stereotyping) فكل محافظة معروف عنها أمر ما
مخجل ومسيء فهناك الأغبياء والكذابون والبخلاء وغيرهم ، مع ان فكرة التعميم فكرة
غير مقبولة وغير حقيقية ، ومن هنا تتولد العنصرية من رحم الافكار الكاذبة
لو تخلص
المصريون من عنصريتهم لتخلصوا من الازمة الكبرى التي تواجههم يوما وراء يوم في
التعامل مع السياسة او حتى مع المجتمع.